احلى كلام
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

حكاية الصعيدي الذي هده التعب فنام تحت حائط الجامع القديم

اذهب الى الأسفل

حكاية الصعيدي الذي هده التعب فنام تحت حائط الجامع القديم Empty حكاية الصعيدي الذي هده التعب فنام تحت حائط الجامع القديم

مُساهمة من طرف biker الثلاثاء مايو 20, 2008 12:38 pm

[b]صحا علي صرخة‏,‏ ووجدها فوق رأسه تبكي‏,‏ تلبس الأسود وتحمل بين يديها طفلا ميتا‏.‏ قالت‏:‏ يافلان يابن فلانة هل ضاقت بك الدنيا الواسعة فلم تجد غير هذا المكان تزاحمنا فيه أنا وأولادي‏..‏ لقد قتلت ابني ياقليل النظر‏..‏ وحتي يخف حزني علي ولدي عليك أن تفارق بيوتها قبل أن يدركك صبح‏.‏

لت الصعيدي في الكلام وعجن ـ قال‏:‏ أتيت إلي المكان ولم يكن بالمكان غيري‏.‏

فصرخت فيه‏:‏ لو لم أكن جنية مؤمنة‏,‏ بنت جنية مؤمنة‏,‏ بنت جني مؤمن‏,‏ لركبت كتفيك عامين قمريين كما تركب الدواب يا دابة‏.‏

ضرط الصعيدي ضرطتين‏,‏ ولم ذيل ثوبه وأطبق عليه بأسنانه وانطلق يسابق الريح وهو لا يصدق أنه أفلت من شر جنية تسكن الخفاء‏,‏ ولا يراها ابن آدم إلا حين تريد هي لابن آدم أن يراها‏..‏ بعد وقت صدق أنه نجا‏,‏ وسأل نفسه‏:‏ كيف أبارح أم القري التي تلم عظام جدودي؟ سأذهب إلي حامل البخاري‏,‏ حافظ كتاب الله المهاب من الجن واشتكي الجنية‏,‏ وقال‏:‏

وجدته قاعدا تحت العنبة وأمامه الحطب مشتعلا‏,‏ جعلت المسافة بيني وبينه قصبة ونصف قصبة وقلت‏:‏ السلام عليكم ولما لم أسمع رده تقدمت وجعلت المسافة بيني وبينه قصبة وقلت السلام عليكم‏,‏ ولما لم أسمع رده تقدمت وجعلت المسافة بيني وبينه نصف قصبة ورددت السلام فلم يرد ـ بينما النار التي أشعلها لاتزال مشتعلة‏,‏ قلت ـ وقد فهمت‏:‏ انتهي كل شيء إذن‏..‏ جاء الطواف قبلي وقضي الأمر‏,‏ وحفنت من تراب الأرض بالكفين وكشحته علي النار فخمدت‏,‏ وقعدت أبكي‏.‏

كانت اليد الكبيرة ياأميري قد رسمت له الطريق ـ خطين حديديين تجري فوقهما القطارات‏..‏ وأعمدة خشب تشد أسلاك التلغراف‏.‏

لما وجد الصعيدي الطريق مرسومة أمامه مشي فيها‏,‏ ظل يمشي وبلاد الله تتري حتي بلغ أم المدن فدخلها حافيا متورم القدمين في اليوم الخامس من ذي الحجة وكان العام عام الذئب والدببة‏,‏ وفي بحر من الحديد والنار رأي الإنسان يحجل ويطلب الصدقة ورآه علي البسكليت ورآه يدب ورآه بالأتوبيس وبالتروللي وبالترماي ورآه يطير ورآه يسوق العربة‏,‏ وقف يتفرج ويتعجب ونسي زمانه حتي جاء الرجل وسأله عن شخصيته‏.‏

قال‏:‏ فلان ابن فلان‏.‏ قال الرجل‏:‏ أنا أسأل عن بطاقتك؟ قال‏:‏ معي بطاقة‏.‏ قال الرجل‏:‏ هات‏,‏ وأخذ الرجل البطاقة ـ وقال‏:‏ أنت المرسوم أمامي‏...‏ يبقي الكلام المكتوب وتلك معضلة فأنا لا أقرأ‏.‏ قال الصعيدي لنفسه‏:‏ مادام لا يقرأ‏..‏ ومادام الكلام المكتوب كله عني أنا وأنا الذي قلت هذا الكلام لكاتب البطاقات فكتب كاتب البطاقات بطاقتي إذن تلك فرصتي للتباهي‏.‏ وقال للرجل‏:‏ أنا أقرأ‏,‏ ومضي ينظر في البطاقة ويتذكر كل ما قاله لكاتب البطاقة ويقوله للرجل‏,‏ باغته الرجل ولطمه علي فمه ليسكت فسكت وظل الرجل يضربه بالكف علي القفا وهو ساكت ولم يكف الرجل عن ضربه حتي وقع الصعيدي في أول يوم له بأم المدن علي الأرض مغشيا عليه‏,‏ أفاق فوجد حواليه ناسا يجهلهم ويجهل قدر الشر وقدر الخير في نفوسهم‏.‏ الشر مطوي داخل كل نفس ولا يعلم دواخل النفوس ياأميري إلا الله‏.‏ كان عليه أن يتكلم معهم ليعرف مقاصدهم فتكلم‏,‏ وكان عليهم أن يردوا علي كلامه فردوا‏.‏ وفهم الصعيدي أن الناس حوله متفرج ومشفق ومصلح وناصح‏.‏

قالوا‏:‏ لا عليك الرجل شرطة‏,‏ وقالوا أنت هنا ولست هناك ونصحوه أن يغير محل اقامته وقالوا بسيطة‏,‏ شج حاجبك الأيسر‏,‏ وقالوا مادمت من صعيد مصر فقل لنا إلي أي طائفة من الصعايدة تريد أن تذهب؟ وعددوا له قومه‏:‏ باعة خضار وبوابون وعمال بناء وباعة جوالون‏.‏ قال لهم‏:‏ لا مال معي اشتري به الشيء لأبيعه وقال‏:‏ لا أملك غير بدني‏.‏

قالوا‏:‏ اذهب إلي عمال البناء ووصفوا له الطريق‏,‏ ذهب إلي عمال البناء وكان النهار قد انقضي فوجدهم قد اشعلوا النار وتحلقوها‏,‏ ردد السلام وقال‏:‏ أنا ابن فلان قالوا‏:‏ أهلا أنت منا‏,‏ وحكي حكايته قالوا له ما حدث لك يافلان حدث لعبد الحليم أفندي‏,‏ تحسس جرحه وأن‏,‏ قال‏:‏ ليت أمي ما تزوجت ابي‏,‏ وكان قاعدا فرقد‏,‏ أقاموه وسقوه العدس الساخن ودعكوا قدميه بالماء الساخن والملح ولاموه لأنه أتي بمفرده وقالوا له الأرض مرسومة يافلان ونحن لا نمشي هنا فرادي وإذا مشينا فنحن قوم نعرف الحد ولا نتجاوز الحدود واعتذروا عن ضيق ذات اليد وقالوا اليوم يوافق قبل نهاية الأسبوع بيوم وها نحن لا نملك المال لنشتري البن لجرحك‏.‏ وقام واحد منهم ودفس الرماد في جرحه ووعده بشراء البن لما يقبضوا راتب الأسبوع وقالوا له لما ينتهي نهار الغد ينتهي الأسبوع‏.‏

ولما انتهي الأسبوع اشتري الصعايدة البن ودفسوه في جرح الصعيدي واشتروا منديلا محلاويا وربطوا به الجرح وتتالت الأسابيع وجاء الشهر وشفي الصعيدي من جرحه وأورام قدميه وطابت له الحياة مع أهله الصعايدة ـ إلا أنه في الليالي المقمرة كان يتجنبهم وينام مبكرا قبل أن تطلع القمرة‏,‏ وظل ينتقل معهم من مكان لمكان ويبني معهم العمارات من الطوب والحديد والرمل والاسمنت ويغني مواويل حمراء ومربعات زرقاء واللوبالي الأخضر لكنه لم يسمع صوت سواقي أم القري‏.‏

ومن زملاء العمل اختار له معارف من ابناء المدن الحرفيين سكان الحارات‏(‏ الحدادون النجارون عمال رصف البلاط والنقاشون‏)‏ يزورهم في بيوتهم ويشرب معهم ومع نسوتهم الشاي ويأكل مع أطفالهم البطاطا‏.‏

دعوه مرة إلي حفل ختان أحياه مطرب بأرغول وراقصة لحمها ابيض تدق الصاجات فيقوم ناس ويقعد ناس‏,‏ قام مع القائمين وقعد مع القاعدين ـ وكان قد شرب الحشيش مع من شربوا الحشيش وتذكر أم القري البعيدة فترحم علي روح جدوده وهاجت شجونه وتقدم من الميكرفون وأمسك بشلن ورق وأمر المطرب بالغناء لأم القري‏,‏ وتكلم في الميكرفون فلعلع صوته‏:‏ السلام علي الصعايدة الرجال‏,‏ يبنون العمارات ويعمرون أم المدن‏,‏ قام واحد من الحرفيين أهل الحي ودفع للمغني والراقصة ربع جنيه وتكلم في الميكرفون وقال السلام علي أرباب الحرفة الرجال من ابناء أم المدن فهم الذين يعمرون أم المدن‏.‏ وعلي كلام الحرفي قعدت الراقصة تعجن لحمها الأبيض وغني المغني أغنية‏.‏

وكادت تنشب مشادة بين الحرفي والصعيدي لولا الصعيدي العاقل الذي قام ودفع للراقصة والمغني نصف جنيه‏,‏ وقال في الميكرفون‏:‏ السلام علي الجميع‏,‏ السلام علي كل الحاضرين من صعايدة وأهل حرفة‏,‏ السلام علي الرجال يبنون العمارات ويعمرون أم المدن‏.‏ وقام حرفي خفيف الدم وحيا الصعيدي العاقل ودفع نصف جنيه للراقصة والمغني وقال في الميكرفون‏:‏ الصعايدة ونحن نبني العمارات ونعمر ام المدن ولانسكن في العمارات‏,‏ السلام علي سكان العمارات‏.‏

فضحك الكل‏.‏ وهكذا انتهت الليلة بخير‏.‏ ومن تلك الليلة وصاحبنا الصعيدي يكلم نفسه‏:‏ نحن الصعايدة نبني العمارات ونحن وأهل الحرفة لا نسكن العمارات‏,‏ لكنا نحن الصعايدة نترك الصعيدي منا ـ وهو أكبرنا سنا ـ علي باب كل عمارة نبنيها‏.‏ وسأل نفسه‏:‏ متي يأتي دوري لأستريح وأقعد علي دكة؟

ظل صاحبنا يضرب في المقبل بعد ما طرح ونسي الحاضر‏,‏ قال‏:‏ الطيب محمد وقع من فوق إلي تحت فقصفت رقبته وفقد دوره‏,‏ ومحمود الساكت فقد دوره ـ لما قبض عزرائيل روحه وهو نائم‏,‏ كذا عبدالباري حين أراد أن يتمخط وهو قاعد بيننا فتمخط روحه‏,‏ يأتي دوري لأصير بوابا قبل عبدالحارس وعبدالملك وبعد حجاج ومحمود الظني وعبدالحاكم‏.‏

وفي نهار مشمس ـ وكان يطلع الدعامات الخشبية المربوطة بالحبال وعلي كتفيه حمولة الرمل والأسمنت ـ طرح صاحبنا وضرب ونسي الحاضر قال‏:‏ لما ننتهي من بناء هذه العمارة سيقعد علي بابها عبدالحاكم ونمضي لنبني العمارة التي سأقعد علي بابها أنا فوق دكة من خشب‏.‏

في هذا النهارـ ياأميري ـ ضيع الصعيدي عمره كما ضيعت بائعة اللبن الحمقاء اللبن‏.
[/b]
biker
biker
عضو متميز
عضو متميز

ذكر عدد الرسائل : 416
العمر : 41
الموقع : www.vipbasha.com
العمل/الترفيه : محامى
المزاج : عادى
تاريخ التسجيل : 27/11/2007

http://www.vipbasha.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى